سورة البقرة هي أطول سورة في القرآن الكريم، وعدد آياتها 286 آية. هي سورة مدنية بالاتفاق، أي نزلت بعد الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة. وقد نزلت على فترات، وتناولت تنظيم حياة المجتمع الإسلامي الناشئ في المدينة.

المحاور الرئيسية للسورة:

يمكن تقسيم السورة إلى عدة محاور كبرى مترابطة:

المحور الأول: مقدمة السورة وبيان أصناف الناس (الآيات 1-20)

فاتحة الكتاب وهداية القرآن: تبدأ السورة بـ "الم" إشارة إلى إعجاز القرآن، ثم تصف القرآن بأنه "لا ريب فيه هدى للمتقين". وتُعرف المتقين بصفاتهم: الإيمان بالغيب، إقامة الصلاة، الإنفاق، الإيمان بما أنزل على محمد وما أنزل قبله، والإيمان بالآخرة. (الآيات 1-5).

أصناف البشر: تُقسم السورة الناس إلى ثلاثة أصناف رئيسية:

المتقون (المؤمنون): الذين يستفيدون من هداية القرآن. (الآيات 1-5)

الكافرون: الذين ختم الله على قلوبهم وأبصارهم فلا يؤمنون، سواء أُنذروا أم لم يُنذروا. (الآيات 6-7)

المنافقون: وهم أخطر الأصناف، يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، يخدعون الله والمؤمنين. تكشف السورة صفاتهم كالمكر، الخداع، فساد قلوبهم، وسوء عاقبتهم. وتضرب لهم الأمثال الحسية لتوضيح حالهم (مثل الذي استوقد نارًا، ومثل الصيب من السماء). (الآيات 8-20)

المحور الثاني: دعوة البشرية إلى التوحيد وقصة خلق آدم (الآيات 21-39)

دعوة الناس كافة للتوحيد: توجه السورة نداءً عامًا لجميع الناس لعبادة الله وحده الذي خلقهم ورزقهم، وتدعوا إلى الإيمان بالقرآن الكريم الذي تحدى به الله البشر أن يأتوا بسورة مثله. (الآيات 21-24)

بشارة للمؤمنين الصالحين: تذكر جزاء المؤمنين الصالحين بالجنة ونعيمها الدائم. (الآيات 25)

الحكمة من الأمثال: توضح أن الله لا يستحي أن يضرب الأمثال بأي شيء، فالمؤمن يهتدي بها والكافر يضل. (الآيات 26-27)

الإعجاز في خلق الإنسان والكون: تُثير الدهشة حول خلق الإنسان بعد أن كان ميتًا، وعودته للحياة بعد الموت. (الآيات 28-29)

قصة خلق آدم وسجود الملائكة: تروي قصة خلق آدم، وجعله خليفة في الأرض، اعتراض الملائكة ثم تسليمهم، وعصيان إبليس وامتناعه عن السجود لآدم، خروج آدم وحواء من الجنة بسبب وسوسة إبليس، ثم توبتهما وقبول الله لتوبتهما. هذه القصة تحمل دروسًا في مكانة الإنسان، أهمية العلم، خطورة الحسد والعصيان، وفتح باب التوبة. (الآيات 30-39)

المحور الثالث: قصة بني إسرائيل وعبر التاريخ (الآيات 40-123)

تذكير بني إسرائيل بنعم الله عليهم وميثاقهم: هذا الجزء هو الأطول في السورة، ويُعتبر توبيخًا لبني إسرائيل على نكثهم العهود، وكفرهم بالآيات، وتكذيبهم للرسل. تذكرهم بنعم الله الكثيرة عليهم (النجاة من فرعون، فلق البحر، المن والسلوى، الظلال، الماء من الحجر). (الآيات 40-74)

عصيانهم وذمهم: تُفصل السورة في صفاتهم الذميمة: نقض العهود، تحريف الكلم عن مواضعه، قسوة قلوبهم، قتل الأنبياء، الجبن والطمع.

قصة البقرة التي سُميت السورة بها: تروي القصة بشكل مفصل، حيث أمرهم الله بذبح بقرة ليكشفوا قاتلًا، لكنهم شددوا على أنفسهم بتفاصيل السؤال، وفيها إشارة إلى عنادهم وتشديدهم على أنفسهم. (الآيات 67-74)

قصة السحر وهاروت وماروت: تذكر كيف اتبعوا السحر وما أنزل على الملكين ببابل، وكيف أن السحر فتنة وكفر. (الآيات 102)

تذكير بأنبياء بني إسرائيل: موسى، هارون، داوود، سليمان، عيسى، عليهم السلام.

مكانة إبراهيم وإسماعيل وبناء الكعبة: ترفع من مكانة إبراهيم عليه السلام كإمام للحنفاء، وتذكر قصة بناء الكعبة وتطهيرها، ودعاء إبراهيم وإسماعيل ربهم أن يبعث في ذريتهم رسولًا. (الآيات 124-129)

المحور الرابع: أحكام وتشريعات للمجتمع المسلم (الآيات 124-283)

هذا المحور يمثل جزءًا كبيرًا من السورة ويحتوي على العديد من الأحكام التشريعية الهامة، والتي تُنظم حياة الأفراد والمجتمعات:

تحويل القبلة: من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة. هذا الحدث كان له دلالة عظيمة في استقلالية الأمة الإسلامية وكمال الدين. (الآيات 142-150)

أهمية الصبر والاستعانة بالله: (الآيات 153-157).

أحكام الطهارة والمعاملة مع الكفار: (الآيات 158-171).

أحكام الأطعمة والأشربة: ما هو حلال وما هو حرام، وحرمة الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به. (الآيات 172-173)

البر والمصرف الصحيح للمال: (الآيات 177).

أحكام القصاص: (الآيات 178-179).

الوصية والميراث: (الآيات 180-182).

أحكام الصيام: فرض الصيام، أوقاته، رخص الإفطار للمريض والمسافر، أحكام الاعتكاف. (الآيات 183-187).

أحكام الحج والعمرة: أداء المناسك، التمتع، الهدي، الأيام المعدودات. (الآيات 189-203).

الجهاد في سبيل الله: أحكامه، قتال المعتدين، الإنفاق فيه، فضل المجاهدين. (الآيات 190-195، 216-218).

أحكام الأسرة والمجتمع:

الطلاق والعدة والنفقات: أحكام مفصلة للطلاق الرجعي والبائن، العدة، حقوق المطلقات، والمتعة. (الآيات 221-242).

الرضاعة والنفقة على المولود.

الخطبة والزواج من المشركين.

أحكام الديون والمعاملات المالية:

تحريم الربا: وتحذير شديد من آكليه، ووصف عقابهم. (الآيات 275-276).

الإنفاق في سبيل الله والصدقات: فضلها وأنواعها، ومضاعفة أجر المنفقين. (الآيات 261-274).

كتابة الديون والرهن: أهمية التوثيق والشهادة في المعاملات المالية لضمان الحقوق. (الآيات 282-283، وهي أطول آية في القرآن).

المحور الخامس: العقيدة والإيمان وتثبيت القلوب (الآيات 253-286)

آية الكرسي (الآية 255): أعظم آية في القرآن، تصف عظمة الله ووحدانيته، قدرته المطلقة، علمه الشامل، وقيوميته على كل شيء. وهي آية تُقرأ للحفظ والبركة.

لا إكراه في الدين: (الآية 256) توضح أن الهداية من الله وليست بالقوة.

مثل الذي ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله: (الآيات 261-266).

قصة عزير الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه: (الآية 259) دليل على قدرة الله على الإحياء بعد الموت.

قصة إبراهيم والنمرود: (الآية 258) حوار حول قدرة الله على الإحياء والإماتة.

فضل الإيمان بالرسل والكتب: (الآيات 285-286).

خواتيم سورة البقرة (الآيتان الأخيرتان): "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون..." تُعد من أهم الآيات، تُذكر بأصول الإيمان، وتُبرئ الأمة من تحمل ما لا تطيق، وتُختتم بالدعاء بالنصر على الكافرين. (الآيات 285-286).

أبرز الدروس والعبر من سورة البقرة:

1. القرآن مصدر الهداية الشاملة: هي الدليل الكامل للحياة الفردية والجماعية.
2. أهمية الإيمان والتوحيد: السورة ترسخ عقيدة التوحيد وتحارب الشرك بكل أشكاله.
3. العبر من قصص الأمم السابقة: خاصة قصة بني إسرائيل، لنتجنب أخطاءهم ونتعلم من تاريخهم.
4. التشريعات المنظمة للمجتمع: تُقدم أحكامًا تفصيلية لتنظيم الأسرة، المال، العلاقات الاجتماعية، والعبادات.
5. فضل الصبر والتقوى: تُعلي من قيمة الصبر والثبات على الحق والتقوى كأعلى مراتب الإيمان.
6. أهمية الإنفاق في سبيل الله: تشجع على البذل والعطاء وتحذر من الربا والبخل.
7. العدل والإحسان: ترسي مبادئ العدل في المعاملات، والإحسان إلى الناس.

سورة البقرة بحر من المعاني والتشريعات والعبر، ولا يمكن الإحاطة بكل جوانبها في شرح موجز، ولكن هذا الشرح يهدف إلى إعطاء فكرة عامة عن محاورها الرئيسية ومضامينها العظيمة.